تحديات ترامب- مفاتيح ومفاصل "الحالة الأميركية" المعقدة

المؤلف: ماجد بن عبد العزيز التركي09.21.2025
تحديات ترامب- مفاتيح ومفاصل "الحالة الأميركية" المعقدة

الأسبوع الأول

بداية صاخبة مدوية، سيل من الرسائل الكلامية المتدفقة من كل حدب وصوب، وقرارات رئاسية تلوح في الأفق، تستهدف الداخل والخارج الأمريكي على حد سواء. فريق من المستشارين يتناوبون الأدوار في إذكاء نار الضجيج الإعلامي، في مشهد يعكس قوة الصناعة الإعلامية الأمريكية وتأثيرها العميق على جميع الأصعدة.

هذا السلوك المحموم، وتلك اللغة الخطابية الحادة، واستخدام هذه الأدوات الإعلامية المكثفة، قد لا تعكس بالضرورة ما يصبو إليه ترامب حقًا. ففي الواقع، جميع الرؤساء حول العالم يطمحون إلى تحقيق أجندات محددة، ولكن هذا الضجيج يعبر بشكل أعمق عن "الوضع الأمريكي" الراهن، وربما عن شعور لدى ترامب بعدم الثقة في صلابة خطواته المستقبلية وقدرته على تحقيق إنجازات ملموسة.

فالتحديات الدولية اليوم أضحت تتجاوز القدرات الأمريكية المتاحة. والأدوات الأمريكية "التقليدية"، كاستخدام لغة التهديد وفرض العقوبات الاقتصادية، لم تعد فعالة كما كانت، بل بدأت تنعكس سلبًا على الاقتصاد الأمريكي نفسه. علاوة على ذلك، فإن معظم هذه الأدوات تبدو عاجزة عن مواكبة التطورات والوقائع الدولية المتسارعة التي باتت تتجاوز الوضع الأمريكي الحالي.

هذا "الوضع الأمريكي" الذي يقوده ترامب، بكل ما يحمله من تبعات، يظهر في فترة رئاسية "جديدة" وليست "ثانية". فالفترة الرئاسية الثانية عادةً ما تكون امتدادًا للفترة الأولى، وتستكمل المشاريع التي بدأ تنفيذها. أما فترته الجديدة، فتبدو منفصلة تمامًا عن الفترة الأولى "زمنيًا وموضوعيًا"، حيث خلقت فترة بايدن السابقة واقعًا أمريكيًا مختلفًا. هذا يمثل تحديًا إضافيًا يواجهه ترامب، سواء على الصعيد الداخلي أو في العلاقات الخارجية، وهو وضع معقد ومتشابك يتطلب التعامل معه بحذر وروية.

هذا الوضع تحديدًا هو الذي دفع الرئيس ترامب إلى إحداث كل هذا الصخب الإعلامي حتى قبل أن يستقر بشكل كامل في منصبه. فهل سيتمكن دونالد ترامب فعلاً من التعامل بكفاءة وفاعلية مع هذا الوضع المعقد؟

مفاتيح ومفاصل الوضع الأمريكي الراهن

  • أزمة الاقتصاد الأمريكي المتفاقمة، والتي تتجلى بشكل خاص في حجم الدين العام الهائل.
  • ملف روسيا في سياق الأزمة الأوكرانية وتداعياتها المستمرة.
  • الحاجة الماسة إلى تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.
  • التنافس الاقتصادي المحتدم مع الصين، خاصة في مجال العملات الرقمية المتطورة.
  • دور أوبك بلس في تحقيق الاستقرار في سوق الطاقة العالمي، والذي يعقد التكتيكات الأمريكية.

هذه المفاصل الأساسية تمثل مفاتيح "قيّمة" في يد أصحابها، وليس من السهل التخلي عنها وتسليمها للرئيس ترامب لمساعدته على تحقيق النجاح. خاصة بالنظر إلى أن المؤشرات الأولية التي ظهرت لم تكن مشجعة أو محفزة على التعاون.

أزمة الاقتصاد الأميركي

لا تقتصر هذه الأزمة على مجرد "الدين العام" الذي تجاوز بالفعل حاجز الـ 34 تريليون دولار، بل تمتد لتشمل تنامي اقتصادات دول بريكس خارج نطاق هيمنة الدولار الأمريكي. فمؤشرات نمو الناتج المحلي الإجمالي لتحالف بريكس تشهد تصاعدًا ملحوظًا مقارنة بمجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى (G7). لذلك، أطلق ترامب تهديداته بفرض عقوبات صارمة، تصل إلى حد فرض ضرائب بنسبة 100% على أي دولة تسعى إلى استبعاد الدولار من تعاملاتها التجارية. يبدو أن الفضاء الاقتصادي العالمي بدأ ينفلت من "النظم الاقتصادية التقليدية" التي تهيمن عليها أمريكا وتسخرها لخدمة مصالحها.

روسيا

بعد مرور ثلاث سنوات على اندلاع الأزمة الأوكرانية (فبراير/ شباط 2022 – يناير/ كانون الثاني 2025) والمواجهات "السياسية والاقتصادية" المحتدمة مع حلف الناتو، وما صاحبها من نجاحات وإخفاقات وتحديات جمة، تكون لدى روسيا "مزاج" جديد لا يمكنها التخلي عنه، بل لا تستطيع التراجع عنه. فقد أصبح ذلك المزاج جزءًا لا يتجزأ من المكون الروسي "الفلسفي والروحي"، ويدعمه الموقف السياسي الداخلي القوي، بالإضافة إلى التقديرات العسكرية التي تؤكد القدرات الروسية الكبيرة على مواصلة حملتها العسكرية، في حال لم يتم التوصل إلى حل مرضٍ مع الجانب الأمريكي.

وهذا الأمر يزعج بشكل واضح القيادة السياسية الأوكرانية، وقد تجلى ذلك في تصريحات زيلينسكي بعد لقائه مع الرئيس ترامب. كما أن بوتين يدرك جيدًا أن "دعم أوكرانيا عسكريًا" لم يعد ضمن أولويات ترامب، وذلك لاعتبارات متعددة، منها:

  • أن الأزمة الأوكرانية وتفاصيلها تمثل أجندة خاصة بالديمقراطيين، وليست ضمن أجندة ترامب، ولا يرغب في أن يكون جزءًا من مشروع خصومه الديمقراطيين، خاصة وأنها تتعارض مع أهدافه.
  • أن الانخراط العميق في الأزمة الأوكرانية سيعطل الكثير من مشاريع ترامب، التي يسعى إلى تحقيقها خلال فترة رئاسته الجديدة، خاصة وأنها مكلفة اقتصاديًا ولا تعود عليه حتى بالنفع المعنوي.
  • إدراك ترامب أن روسيا لا تزال قادرة على مواصلة حملتها العسكرية بكل قوة، وأنها لن تتنازل عن المكاسب التي حققتها على الأرض.
  • والأمر الأهم، هو أن الأزمة الأوكرانية تقع في الفضاء الأوروبي، الذي يعتبر خارج نطاق الأولويات الاستراتيجية الأمريكية.

استقرار الشرق الأوسط

يشكل هذا الملف تحديًا مماثلاً للأزمة الأوكرانية، حيث إن محوره الرئيس هو "غزة" وتداعياتها التي فرضتها أجندة الديمقراطيين. يبدو أن المزاج الرئاسي الأمريكي الحالي لا يتوافق مع فكرة استكمال مشاريع الديمقراطيين، إلا أن العامل "الإسرائيلي/الصهيوني" سيظل مؤثرًا وفاعلاً في إلزام ترامب بالعمل على هذا الملف.

ويتعارض هذا، على الجانب الآخر، مع الموقف السعودي الثابت من القضية الفلسطينية، والذي يدعو إلى "حل الدولتين"، وهو موقف تشاركها فيه كل من قطر والكويت. كما أن المشروع السعودي الفاعل لإعادة الهدوء إلى مناطق الصراع (سوريا، لبنان، العراق)، والذي حقق نجاحات كبيرة، ولاقى استجابة من جميع الأطراف الإقليمية والدولية، سيكون بمثابة ورقة ضغط بين الجانبين السعودي والأمريكي. وهذا النوع من المساومة قد يتفهمه ترامب ويحسن التعامل معه.

الصين والسباق الاقتصادي

هذا الميدان يعد حساسًا جدًا بالنسبة لترامب، فهو من جانب يمثل مسارًا اقتصاديًا استراتيجيًا بالغ الأهمية للولايات المتحدة الأمريكية، ومن جانب آخر يمثل مصلحة خاصة لترامب لتنمية عملته الرقمية، ومشاريع شركائه في "فريقه الرئاسي"، وعلى رأسهم إيلون ماسك. وتتجلى مشكلة ترامب مع الصين في عدة جوانب:

  • أن الصين لا تنخرط في الملفات العسكرية أو حتى السياسية، التي يمكن لترامب المناورة بشأنها.
  • أن الصين كسبت ثقة الشركاء في آسيا وأفريقيا، ووجدوا فيها متنفسًا اقتصاديًا بعيدًا عن الأجندات السياسية المثيرة للجدل.
  • القدرة الصينية الهائلة على الاستثمار "بأموال صينية ضخمة"، على عكس أمريكا التي تسعى باستمرار للحصول على الأموال من الشركاء.
  • القدرة الصينية "التقنية والصناعية" الرخيصة والسريعة، والتي تستجيب بفعالية لمتطلبات السوق العالمي على مختلف المستويات.
  • أخيرًا، قدرة الصين على التحرك بمرونة في النظام الاقتصادي التقليدي، إلى جانب الأنظمة الجديدة، وخاصة في عالم "العملات الرقمية"، الذي يعتبره ترامب مستقبله الكبير لما بعد فترة رئاسته.

أوبك بلس

هذا الملف بالغ الأهمية لاستقرار سوق الطاقة العالمي، والذي يصب في مصلحة الدول المستهلكة والمنتجة على حد سواء. فمحاولة الضغط على الدول الأعضاء في أوبك بلس لن تحقق أي فائدة، بل ستضر بمصالح الجميع، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية. لذا، يجب إخراج هذا الملف من دائرة التكتيكات الأمريكية قصيرة المدى.

هناك الكثير من التفاصيل الأخرى المتعلقة بالوضع الأمريكي الراهن، ومعظمها يتعلق بالشأن الداخلي الأمريكي، وقد تم تجاهلها هنا ليس نسيانًا، ولكن حتى لا يخرج السياق عن الحدود التي تمس العالم الخارجي.

هذه المسارات أو المفاصل التي تم تناولها، تمثل المكونات الرئيسية "للوضع الأمريكي" الذي يجب على دونالد ترامب أن يتعايش معه ويتعامل معه بحكمة. وقد لا أكون مبالغًا إذا قلت إن: (الوضع الأمريكي الراهن لن يساعد ترامب على تحقيق النجاح).

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة